بيانه: أن الإرادات مختلفة، فقد يريد الإنسان من غيره أن يتناول طعامه إرادةً في الغاية، حتى يقرر مع نفسه أنه يفعل كل ما يعلم أن ذلك الضيف لا يتناول طعامه إلا عند فعله.
وقد تكون الإرادة لا إلى ذلك الحد؛ كمن يقول:(أريد أن تأكل طعامي؛ لكن لا إلى حيث إنك لو لم تأكل طعامي، إلا عند تقبيلي رجلك، فعلته، بل إرادةً دون ذلك).
إذا ثبت هذا، فنقول: إلاراد: إن كانت على الوجه الأول، كان ترك التواضع قادحًا في تحققها؛ لكن لو كانت على الوجه الثاني، لم يلزم من عدم التواضع عدمها.
إذا ثبت هذا، فتقول: لم قلت: إن الله، عز وجل، أراد من المكلفين فعل الطاعات، والاجتناب عن القبائح إرادةً على الوجه؛ حتى يلزمه فعل اللطف؟.
بيانه: أن التكليف تفضل وإحسان، والمتفضل لا يجب عليه أن يأتي بجميع مراتب التفضل.
قوله في الوجه الثاني:(إن ترك اللطف كفعل المفسدة).
قلنا: إنه قياس؛ فلا يفيد اليقين؛ لاحتمال أن ما به وقع التغاير يكون شرطًا، أو مانعًا.
ثم نقول: الفرق أن فعل المفسدة إضرار، وترك اللطف ترك للإنفاع، وليس يلزم من قبح الإضرار قبح ترك الإنفاع؛ فإنه يقبح منا الإضرار بالغير، ولا يقبح ترك إنفاعه.