وخرج عليه مسألة الضيف؛ فإن هناك إنما يجب عليه التواضع، إذا كان ذلك التواضع مقدورًا له، فأما إذا لم يكن مقدورًا له، لم يتوقف التماس المضيف تناول الطعام على فعل التواضع، بل حسن ذلك الالتماس بدون التواضع.
سلمنا كل ما ذكرتموه؛ ولكنه بناء على التحسين والتقبيح العقليين، وإنه باطل؛ على ما ثبت في الكتب الكلامية، فهذا هو الاعتراض على مقدمات دليلهم على الترتيب.
ثم نقول: دليلكم منقوض بصورٍ:
إحداها: أنه لو كان القضاة والأمراء والجيوش معصومين، لكان حال الخلق في الاجتناب عن القبائح أقرب مما إذا لم يكن كذلك.
وثانيتها: أنه لو وجد في كل بلدٍ إمام معصوم.
وثالثتها: لو كان الإمام عالمًا بالغيوب، وقادرًا على التصرف في الشرق والغرب، والسماء والأرض.
ورابعتها: لو كان بحيث لو شاء، لاختفى عن الأعين، ولطار مع الملائكة، فإن خوف المكلفين هاهنا يشتد منه؛ لأن كل أحدٍ يقول:(لعله معي، وإن كنت لا أراه) فكان انزجاره عن القبيح أشد.
ولا خلاص عن هذه الإلزامات، إلا بأحد أمرين:
الأول: أن يقال: إن هذه الأشياء، وإن حصلت فيها هذه المنافع، لكن علم الله - تعالى - فيها وجه مفسدةٍ، لا نعلمه نحن؛ ولذلك لم يجب على الله تعالى فعلها.