والقدر الذي فيه من الاستقباح إنما كان لاتفاق أهل العلم على أن الإنسان لا يجب أن يشتغل إلا بما يفيده فائدة إما عاجلة وإما آجلة.
وأما القصيدة المشتملة على الشتم فإنما تستقبح لإفضائها إلى مقابلة أرباب الفضائل بالشتم والاستخفاف وهو على مضادة مصلحة العالم.
فظهر أن المرجع في هذه الأشياء إلى ملائمة الطبع ومنافرته، ونحن قد ساعدنا على أن الحسن والقبح بهذا المعنى معلوم بالعقل والنزاع في غيره.
سلمنا تحقق الحسن والقبح لكن لا نسلم أن المقتضى لقبح الظلم هو كونه ظلما ولم لا يجوز أن يكون المقتضى لقبحه أمرا آخر؟
قوله العلم بالقبح دائر مع العلم بكونه ظلما وجودا وعدما.
قلنا: لم قلت إن الدوران العقلي دليل العلية عليه وما الدليل عليه؟!
ثم إنه منقوض بالمضافين فإن العلم بكل واحد من المضافين دائر مع العلم بالآخر وجودا وعدما مع أنه يمتنع كون أحدهما علة للآخر وتمام تقرير هذا السؤال سيأتي إن شاء الله في كتاب القياس.
سلمنا أن الدليل الذي ذكرتموه يقتضي أن يكون قبح الظلم لكونه ظلما لكن معنا ما يدل على فساده وهو أن المفهوم من الظلم اضرار غير مستحق وكونه غير مستحق قيد عدمي والقيد العدمي لا يصلح أن يكون علة للحكم الثابت ولا أن يكون جزءا للعلة إذ لو جاز استناد الأمر الثبوتي إلى الأمر العدمي لجاز استناد خلق العالم إلى مؤثر عدمي وحينئذ ينسد علينا باب معرفة كون الله تعالى موجدا لأن العدم نفي محض فيستحيل أن يكون مؤثراً.