ولم يقل في الفتيا شيئًا من غير عجز، ولا عيٍّ، ولا غيبة عن شيءٍ شهده ابنه، وقال في الفتيا عبد الله بن الزبير، والزبير أعظم منه، ولم يقل فيه شيئًا، وكان أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل بالشام، فقال معاذٌ، ولم يقل أبو عبيدة؛ مع أن أبا عبيدة أعظم منه؛ فإنه قال - عليه الصلاة والسلام -: (أبو عبيدة أمين هذه الأمة) وكيف يقال: كان الخوف زائلا، وابن عباس قال:(هبته، وكان - والله - مهيبًا).
وأيضًا: فإن الرجل العظيم؛ إذا اختار مذهبًا، فلو أن غيره أبطل ذلك المذهب عليه، فإنه يشق عليه غاية المشقة؛ ويصير ذلك سببًا للعداوة الشديدة.
قوله:(لو كان الخوف مانعًا من المخالفة لما خالف بعضهم بعضًا في مسألة الجد والحرام):
قلنا: القياس أصل عظيم في الشرع؛ نفيًا وإثباتًا، فكان النزاع فيه أصعب من النزاع في فروع الفقه؛ ولذلك نرى في المختلفين في مسألة القياس يضلل بعضهم بعضًا، والمختلفين في الفروع لا يفعلون ذلك.
سلمنا أن أسباب الخوف ما كانت ظاهرة، ولكن أجمع المسلمون على أنهم ما كانوا معصومين؛ فكيف يمكننا القطع باحترازهم عن كل ما لا ينبغي، غاية ما في الباب حسن الظن بهم، ولكن ذلك [لا] يكفي في القطعيات.
سلمنا زوال الخوف؛ ولكن لعلهم سكتوا؛ لأنه ما ظهر لهم كون القياس حقًا، ولا باطلاً؛ فكان فرضهم السكوت، أو أنهم عرفوا كونه خطأ؛ لكنهم اعتقدوا أنه من الصغائر، فلا يجب الإنكار على العامل به، ولأن كل واحد منهم اعتقد في غيره أنه أولى بإظهار الإنكار.