سلمنا: أنهم بأسرهم رضوا؛ لكن حصل الرضا دفعة واحدة، أو لا دفعة واحدة:
الأول: مما لا يعرفه إلا الله تعالى؛ لأنهم ما جلسوا في محفل واحدٍ قاطعين بصحته دفعة واحدة.
والثاني: لا يفيد الإجماع؛ لأنه ربما كان الأمر بحيث لما صار البعض راضيًا بقلبه، صار الآخر متوقفًا فيه، أو منكرًا عليه بالقلب؛ وذلك يمنع من انعقاد الإجماع.
فإن قلت:(هذا الاحتمال يمنع من انعقاد الإجماع):
قلت: لا نسلم؛ فإن أهل الإجماع كانوا قليلين في زمان الصحابة، وكان يمكنهم أن يجتمعوا في محفل واحدٍ، ويقطعوا بالحكم، فيكون ذلك الإجماع خاليًا عن هذا الاحتمال.
أما إذا لم يجتمعوا في محفل واحد، فإذا سئل بعضهم، فأفتى به، ثم أنه سئل إنسان آخر، في بلد آخر، فلعل المفتي الأول رجع عن فتواه حينما أفتى به المفتي الثاني؛ وحينئذ لا يتم الإجماع، وهذا سؤال أهل الظاهر، ولهذا قالوا: لا حجة إلا في إجماع الصحابة.
سلمنا انعقاد الإجماع على قياس ما؛ لكن لم ينقل إلينا أنهم أجمعوا على النوع الفلاني من القياس، أو على كل أنواعه، ولم يلزم من انعقاد الإجماع على صحة نوع انعقاده على صحة كل نوع؛ فإذن: لا نوع إلا ويحتمل أن يكون النوع الذي أجمعوا عليه هو هذا النوع، وأن يكون غيره، وإذا كان كذلك، صار كل أنواه مشكوكًا فيه؛ فلا يجوز العمل بشيء منه.