المنطوق، والمنطوق عند الخصم هو سلب التعذيب في الماضي، ونقيض قولنا: ما نعذب عن الماضي نعذب على الماضي، لأنه لا تناقض بين عدم التعذيب في الماضي، والتعذيب في المستقبل، ولما كان المفعوهم نقيض المنطوق تعين صرفه للماضي عملا بالتناقض، فتصير الآية دالة على وجوب شكر المنعم قبل الشرائع، والخصم يريد أن يستدل بها على عدمه، بل هي مقتضية لنقيض مطلوبه، فتأمل ذلك، وكذلك قوله تعالى:"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".
معناه: أن حجة الخلق تنتفي بعد البعثة، ولكن هل باعتبار ما مضى أو باعتبار المستقبل، فلعل المعتزلي يقول: إذا حصلت البعثة تأكد أن العقل على الصواب في رعاية المصالح، والمفاسد لورود السمع بها، فقامت الحجة لله تعالى وسقطت حجة الخلق، فإن تضافر الأدلة من المعقول والمنقول مما يقطع العذر، ويحسم المادة.
وقوله في المعقول: لا تعود الفائدة على المشكور لتنزه الله تعالى عن جلب المنافع، لا يتم مع المعتزلة، فإن عدتهم تقتضي أن الله تعالى حكيم، وحكمته البالغة تقتضي أن من كماله رعاية المصالح، وأن عندم مراعاتها مخل بالكمال الإلهي، وإذا راعاها حصل الكمال الإلهي، ولا شك أن كمال الله تعالى عائد لجلاله وذاته، ولا يمكن أن يقال: هو منزه عنه، بل ثبوت هذا له عندهم كثبوت العلم، والقدرة وغيرهما من صفات الكمال، وترك هذا التنزيه عندهم تنزيه.
وقوله:"جلب المنفعة غير واجب في العقل " ممنوع، بل المنافع منها ضروري كحفظ الأعراض عن الثلم الفاحش، والنفس عن الهلاك، والعافية عن العذاب، وتحصيل أسباب البغال الكثيرة والمنازل العالبية، والثياب اللينة والزوجات الجميلة، هذا لا يوجبه العقل، فظهر أن ما ذكره ليس على عمومه، فلعل المنفعة التي جيب الشكر لها من قبل ما يوجبه العقل.