ويسوؤها لاشتمالها على الحكمة لا للذة، فكثير من الحكماء يترك ملاذ النساء، وفضول الكلام وكثيرا مما يميل إليه طبعه، ويلتزم في ذلك مشاقا طبعية ليس إلا للحكمة ليوفيها حقها، والله تعالى عندهم في أقضى الغايات من الحكمة، فهو أولى بأن يوجب مكافأة المحسن على إحسانه لما فيه من الحكمة، لا ليوقع لذة ولا نفرة، فالحصر غير ثابت.
قوله:"قلنا غرضنا من الدليل أنه لو صح الحسن والقبح العقليان لما أمكن القول بإيجاب الشكر من الله تعالى لا عقلا، ولا سمعا ".
هذا الموضوع في غاية الإشكال، وعسر التقرير وبان المراد منه، ظاهره يقتضي أنه ادعى بطلان مذهبه، على تقرير صحة مذهبهم في الحسن والقبح، فيكون معنى كلامه لو صح مذهبكم لبطل مذهبنا بالوجبوب في الشرع، وهذا لا يسوء الخصم بل يسره، ثم إن الخصم التزم وجوب عدم وجوب الشكر شرعا لعدم وجوبه عقلا، وهو جعل عدم وجوب الشكر عقلا، وشرعا لازما للحسن والقبح، فلم يظهر أنه وارد على الكلام الأول.
ووجه تقرير كلامه: أنه قال في أصل دليله: لو وجب الشكر لوجوب إما لفائدة، أو لا لفائدة، والقسمان باطلان، فلا يجب، والمقدر وجوبه، فيلزم ألا لا يجب على تقدير وجوبه، فيجتمع النقيضان على هذا التقدير، وهو تقدير الوجوب عالعقلي، فيكون الواجوب العقلي ملزما لاجتماع النقيضين، وهو الوجوب العقلي محالا، وهو مقصوده، وهكذا ينبغي لك أن تفهم، حيث سمعمت في مسألة لو كان لما كان أن معناه أن هذا المذهب في تلك المسألة متى فرض واقعا اجتمع النقيضان، من لزوم عدم وقوعه على تقدير فرض وقوعه، وكذلك إذا قال القائل: لو صح بيع الغائب على الصفة لما صح؛ لأنه لو صح لكان مساويا للمرئي في مصلحة