بإبقائها على حالة واحدة، لا جرم يحصل ظن أنها تبقى غدًا، وبعد غد على هذه الصفات، وكذلك نزول المطر عند الغيم الرطب، وحصول الشبع عقيب الأكل، والري عقيب الشرب، والاحتراق عند مماسة النار غير واجب؛ لكن العادة لما اطردت بذلك، لا جرم حصل ظن يقارب اليقين باستمرارها على مناهجها.
والحاصل: أن تكرير الشيء مرارًا كثيرة يقتضي ظن أنه متى حصل، لا يحصل إلى على ذلك الوجه.
إذا ثبت هذا، فنقول: إنما لما تأملنا الشرائع، وجدنا الأحكام والمصالح متقارنين؛ لا ينفك أحدهما عن الآخر، وذلك معلوم بعد استقرار أوضاع الشرائع.
وإذا كان كذلك، كان العلم بحصول هذا مقتضيًا ظن حصول الآخر، وبالعكس، من غير أن يكون أحدهما مؤثرًا في الآخر، وداعيًا إليه؛ فثبت أن المناسبة دليل العلية، مع القطع بأن أحكام الله تعالى لا تعلل بالأغراض.
أما المقدمة الثانية من أصل الدليل، وهي: أن المناسبة لما أفادت ظن العلية، وجب أن يكون ذلك القياس حجة، فالاعتماد فيه على ما ذكرنا: أن العمل بالظن واجب؛ لما فيه من دفع الضرر عن النفس، وهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل.
فإن قيل:(لا نسلم أن الله تعالى شرع الأحكام لمصلحة العباد):
قوله:(تخصيص الصورة المعينة لابد وأن تكون لمرجح، وذلك المرجح يمتنع أن يكون عائدًا إلى الله تعالى، فلابد وأن يكون عائدًا إلى العبد):