للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: إما أن تدعي أن التخصيص لابد له من مخصص، أو لا تدعي ذلك: وعلى التقديرين: لا يمكن القول بتعليل أحكام الله تعالى بالمصالح: أما على القول بأن التخصيص لابد له من مخصص: فلأن أفعال العباد: إما أن تكون واقعة بالله تعالى، أو بالعبد:

فإن كان الأول: كان الله تعالى فاعلًا للكفر والمعصية، ومع القول بذلك يستحيل القول بأنه لا يفعل إلا ما يكون مصلحة للعبد.

وإن كانت واقعة بالعبد الفاعل للمعصية مثلا، إما أن يكون متمكنًا من تركها، أو لا يكون: فإن لم يكن متمكنًا من تركها، وتلك القدرة والداعية مخلوقة لله تعالى، كان الله تعالى قد خلق في العبد ما يوجب المعصية، ويمتنع عقلًا انفكاكه عنها، ومع هذا: لا يمكن القول بأن الله تعالى يراعي مصالح العباد، وإن كان العبد متمكنًا من تركها فنقول: لما كان كونه فاعلًا للمعصية، وتاركًا لها أمرين ممكنين، لم يترجح أحدهما على الآخر، إلا لمرجح؛ لأنا نتكلم الآن تفريعًا على تسليم هذه المقدمة، فذلك المرجح: إن كان من فعل العبد، عاد التقسيم الأول، وإن كان من فعل الله تعالى: فإما أن يجب الترجيح عند حصول ذلك المرجح من الله تعالى أو لا يجب: فإن وجب، عاد الأمر إلى أنه تعالى فعل فيه ما يوجب المعصية، ومع هذا: لا يمكن القول بأن الله تعالى يراعي المصالح، وإن لم يجب، كان حصول الترجيح مع ذلك المرجح ممكنًا أن يكون، وألا يكون؛ فيفتقر إلى مرجح آخر، فإما أن يتسلل؛ وهو محال، أو ينتهي إلى الوجوب، فيعود الإشكال.

فإن قلت: (عند حصول المرجح يصير الترجيح أولى بالوقوع؛ لكنه لا ينتهي إلى حد الوجوب):

<<  <  ج: ص:  >  >>