للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: (إنه تعالى، إنما فعل ذلك ليعطيه العوض في الآخرة، وليكون لطفًا لمكلف آخر):

قلت: أما العوض: فلو أعطاه ابتداء، كان أولى، وأما اللطف: فأي عاقل يرضى بأن يقال: إنما حسن إيلام هذا الحيوان؛ ليكون لطيفًا بذلك الحيوان؟!

الدليل الثامن: دلت الوجوه المذكورة في أول هذا القسم على أنه يستحيل أن يكون شيء من أفعاله وأحكامه معللًا بالمصالح، فظهر بهذه الوجوه: أنه ليس الغالب في أفعال الله تعالى رعاية مصالح الخلق، وإذا كان كذلك، لم يغلب على الظن أن أحكامه معللة بمصالح الخلق، فإنا إذا رأينا شخصًا يكون أغلب أفعاله رعاية المصالح، ثم رأيناه حكم بحكم غلب على ظننا اشتمال ذلك الحكم على مصلحة، أما إذا رأينا شخصًا يكون أغلب أفعاله عدم الالتفات إلى المصالح، ثم رأيناه حكم بحكم؛ فإنه لا يغلب على ظننا اشتمال ذلك الحكم على مصلحة البتة، هذا في حق الإنسان الذي يكون محتاجًا إلى رعاية المصلحة، أما الإله- سبحانه وتعالى- لما كان منزهًا عن المصالح والمفاسد بالكلية، ثم رأينا أن الغالب في أفعاله ما لا يكون مصلحة للخلق، كيف يغلب على الظن كون أفعاله وأحكامه معللة بالمصالح؟!

سلمنا: أن أحكامه تعالى معللة بالمصالح، وأن هذا الفعل مصلحة من هذا الوجه؛ فلم قلت: إن هذا القدر يقتضي ظن كون ذلك الفعل معللًا بهذه المصلحة؟

أما الوجه الأول: فالاعتماد فيه على أن الاستصحاب يفيد الظن.

وأما الوجه الثاني: فالاعتماد فيه على أن الدوران يفيد الظن، والكلام في

<<  <  ج: ص:  >  >>