اختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، والحق أن العلة إما أن تكون قاصرة أو متعدية.
يريد: أنا إما أن نفرع على جواز التعليل بالقاصرة أم لا، فإن فرعنا جاز.
قوله:"لا يستبعد أن يقول صاحب الشرع: حرمت الربا في البر لكونه برا، ويعرف كون البر مناسبا لحرمة الربا":
تقريره: أن طريق معرفة ذلك أن يقال: إن فيه من الحرارة والرطوبة الملائمة لبدن الإنسان في الغذاء ما ليس غير غيره، فيعظم قدره لذلك، فيمنع الشرع من بذل كثيره في قليله؛ لأن بذل الكثير في القليل هوان بالكثير، والشرف يمنع الهوان.
قوله:"لو كان المحل علة لكان الشيء الواحد قابلا وفاعلا معا، وذلك محال؛ لأن المفهومين إذا كانا داخلين لزم أن يكون الواحد مركبا":
قلنا: ولم قلتم: إن مفهوم المحل "كالبر" مثلا واحدا، بل يجب أن يكون كثيرا؛ لأن البر لا يتصور من مطلق الجوهر، ولا من مطلق العرض، بل لابد فيه من جواهر وأعراض من الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وحصول العناصر الأربعة وعلية بعضها على بعض، فنسب إلى ما غلب عليها.
وقولنا:"جاز" لا يقتضي أنه ليس فيه حر بارد، بل فيه ضرورة، غير أن تأثيره في بدن الإنسان التسخين والترطيب، وكذلك جميع ما يحكم عليه من النبات والحيوان والجماد، ولا بد من امتزاج بين تلك العناصر، والوحدة بعيدة من البر، وغيره من أجزاء العالم.
سلمنا الوحدة، لكن لا نسلم أن الواحد لا يكون قابلا وفاعلا؛ لأن هاتين نسبتان، والنسب والإضافات لا توجب التركيب في الخارج؛ لعدمها في الخارج، بل وجودها في الذهن فقط.