لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تُصدِّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني بريئة - لتُصدِّقنِّي (١)
والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا أبا وسف إذ قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. ثم تحوَّلت على فراشي وأنا أرجو أن يُبرِّئني الله. ولكن والله ما ظننت أن يُنزل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يُتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رُؤيا تُبرِّئُني، فوالله ما رام مجلسَهُ ولا خرجَ أحد من أهل البيت حتى أُنزل عليه الوحي، فأخذه ما يأخذه من البُرحاء، حتى إنه ليتحرد منه مثل الجُمان من العَرَق في يوم شات. فلما سُرِّيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي:«يا عائشة أحمدي الله، فقد برأك الله». قالت لي أمي:
(١) بكى شيخنا -رحمه الله تعالى - عند قراءة هذا الحديث وبعده، وتكلم بكلام مؤداه: الحذر من إشاعة الفاحشة، وحماية السمع والبصر، وقال هذه قصة عظيمة امتحن الله بها عائشة، ولا شك أن هذا امتحان عظيم لها فرأها الله، وتكلم ابن أبيّ بالمقالة السيئة عليه من الله ما يستحق، وتأذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فالواجب الصبر والاحتساب حتى يأتي الفرج من الله ... وفيها: أن الصالح الفاضل قد يزلُّ عند المحن، كما وقع من سعد بن عبادة حيث غضب لقومه، وكان ينبغي أن يقول كما قال سعد بن معاذ، وفيه أن المؤمن يبتلى فيصبر ويتحمل، ومنها: وجوب التثبت ووجوب حفظ اللسان، ومنها الانتصار للحق وعدم التخاذل فيه، وفيه إنقاذ من يخشى عليه الهلكة، كما أنقذ صفوان عائشة لما وجدها، ثم تولى الله إبراءه.