واستغفر لأهل أحد، ودعا لهم وأوصى بالأنصار فقال: «أمّا بعد، يا معشر المهاجرين، فإنّكم تزيدون، وأضحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التى هى عليها اليوم، وإنّ الأنصار هى عيبتى (١) التى أويت إليها، فأكرموا كريمهم-يعنى محسنهم-وتجاوزوا عن مسيئهم». ثم قال:«إنّ عبدا خيّر بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله»، فبكى أبو بكر رضى الله عنه، وظنّ أنّه يريد نفسه، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم:«على رسلك يا أبا بكر، سدّوا هذه الأبواب الشوارع فى المسجد إلاّ باب أبى بكر، فإنّى لا أعلم امرأ أفضل عندى فى الصحبة من أبى بكر».
وقالت عائشة رضى الله عنها: فقبض صلّى الله عليه وسلم فى بيتى وبين سحرى (٢) ونحرى، وجمع الله بين ربقى وريقه عند الموت، دخل عليه عبد الرحمن أخى وبيده سواك فجعل ينظر إليه، فعلمت أنّه قد أعجبه ذلك السواك، فقلت: آخذه لك يا رسول الله (٦١) فأومأ برأسه أى نعم، فليّنته وكان بين يديه ركوة ماء فناولته إيّاه ثم جعل يدخل يده فى تلك الركوة ويقول:«لا إله إلاّ الله، إنّ للموت سكرات»، ثم يصبّ يده ويقول:«الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى».
وعن سعيد بن عبد الله عن أبيه قال: لمّا رأت الأنصار أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم يزداد ثقلا طافوا بالمسجد، فدخل العبّاس على النبى صلّى الله عليه وسلم فأعلمه بمكانهم، ثم دخل الفضل فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل علىّ عليه السلام فأعلمه بذلك، فمدّ يده، قال:«ما يقولون؟» قال: يقولون نخشى أن تموت، قال: فبادر