وكان أعفّ الناس لم تمسّ يده امرأة قطّ لا يملك رقّها أو نكاحها أو تكون ذات رحم.
وكان أشدّ الناس كرامة لأصحابه، ما رؤى قطّ مادّا رجله بينهم، ويوسّع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدّمان ركبة جليسه، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبّه، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام.
وكان يقول:«لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنّما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله». وكان يتجمّل لأصحابه فضلا، ويقول:
«إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل»، وكان يتفقّد أصحابه ويسأل عنهم؛ فمن كان مريضا عاده، ومن كان غائبا دعا له وتفقّد أهله، ومن مات استرجع فيه وأوسعه بالدعاء، ومن كان يتخوّف أن يكون وجد فى نفسه شيئا قال:«لعلّ فلانا وجد علينا فى شئ، أو رأى منّا تقصيرا، انطلقوا بنا إليه». فينطلق حتى يأتيه فى منزله، وكان يخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافة من أضافه فيها، ويتألّف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل، ولا يطوى بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ويقبل معذرة من يعتذر إليه، والقوىّ والضعيف والقريب والبعيد عنده فى الحقّ سواء.
وكان لا يدع أحدا يمشى خلفه ويقول:«خلّوا ظهرى للملائكة»، ولا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب حتى يحمله، فإن أبى قال: «تقدّمنى المكان