رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكفروا بالزّكاة، وقالوا: قد كنّا ندفع أموالنا إلى محمّد فما بال ابن أبى قحافة يسألنا أموالنا؟ والله لا نعطيه منها شيئا أبدا، فمنعوا أبا بكر الزّكاة، وكفروا بها، فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيهم، فأجمع رأيهم جميعا على أن يتمسّكوا بدينهم، وأن يخلّوا بين النّاس وبين ما اختاروه لأنفسهم، وظنّوا أنّهم لا طاقة لهم بمن ارتدّ منهم عن الإسلام، لطول ما قاسى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جهاده فيهم، فقال أبو بكر رضى الله عنه: والله لو لم أجد أحدا يؤازرنى لجاهدتهم بنفسى وحدى حتى أموت، أو يرجعوا إلى الإسلام، ولو منعونى عقالا ممّا كانوا يعطونه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لجاهدتهم حتى ألحق بالله، فلم يزل أبو بكر رضى الله عنه يجاهدهم بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبالمقبل من المسلمين مدبرهم، حتى عادوا جميعا إلى الإسلام، ودخلوا فيما كانوا خرجوا منه، فلمّا دوّخ الله عزّ وجلّ العرب، وانتهت الفتوح من كل وجه إلى أبى بكر رضى الله عنه، واطمأنّت العرب بالإسلام، وأذعنت به، واجتمعت عليه، حدّث أبو بكر نفسه بغزو الرّوم، وأسرّ ذلك فى نفسه، فلم يطلع عليه أحدا كما يأتى ذكر ذلك فى سنة اثنتى عشرة، إن شاء الله تعالى.
وفيها أمر أبو بكر رضى الله عنه بجمع القرآن العظيم، وفيها مات عبد الله ابن أبى بكر رضى الله عنهما، وهو أعرق الناس فى صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنّه وأباه وجدّه كلّهم رأوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم وصحبوه.