وكانت إلى جنب الشمّاس حيث نام حفرة، فخرجت منها حيّة عظيمة تريد الشمّاس، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم فقتلها، فلمّا استيقظ الشمّاس ونظر الحيّة وعظمها، وكيف نجا منها قال: وما هذه؟ فأخبره عمرو، فأقبل الشماس إلى عمرو يقبّل رأسه، وقال: قد أحيانى الله بك مرّتين؛ مرّة من شدّة العطش، ومرّة من هذه الحيّة، فما أقدمك هذه البلاد؟ قال: قدمت مع أصحاب لى نطلب الفضل فى تجارتنا، فقال الشمّاس: وكم تراك ترجو أن تصيب فى تجارتك؟ قال: رجائى أن أصيب ما أشترى به بعيرا، فإنّى لا أملك إلاّ بعيرين، فأملى أن أصيب بعيرا آخر، فتعود ثلاثة أبعرة، فقال له الشمّاس: أرأيت دية أحدكم بينكم كم تكون؟ قال: مائة من الإبل، قال الشمّاس: لسنا أصحاب إبل إنّما نحن أصحاب دنانير، قال عمرو: يكون ذلك ألف دينار.
فقال الشمّاس: إنّى رجل غريب فى هذه البلاد، وإنّما قدمت أصلّى فى كنيسة بيت المقدس، وأسيح فى هذه الجبال شهرا، جعلت ذلك علىّ نذرا، وقد قضيت ذلك، وأنا أريد الرّجوع إلى أهلى، فهل لك أن تتبعنى (١٦٩) إلى بلادى، ولك عهد الله منّى وميثاقه، أن أعطيك ديتين، لأنّ الله تعالى أنجانى بك مرّتين، فقال له عمرو: وأين تكون بلادك؟ قال: مصر، فى مدينة يقال لها الإسكندريّة، فقال عمرو: لا أعرفها ولم أدخلها قطّ، فقال الشمّاس: لو دخلتها لعلمت أنّك لم تدخل قطّ مثلها، فوثق منه عمرو، وأخذ عليه العهود، وشاور أصحابه وقال:
إن وفى لى بما قال فلكم علىّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك، على أن يصحبنى رجل منكم آنس به، فبعثوا معه رجلا، فدخل عمرو مصر مع الشمّاس، ونظر إلى الإسكندريّة فرأى عمرو من عمارتها عجبا.