فهو حرّ، فأحضر المال، فقال له عثمان: أتذكر يوم عركت أذنك؟ قال: بلى يا سيّدى، قال: ألم أنهك أن تقول سيّدى، قم فخذ أذنى، فأبى، فلم يزل به حتى أخذ أذنه فعركها، وهو يقول شدّ، حتى إذا رأى أنّه قد بلغ منه قال:
حسبك، أنت حرّ، والمال الذى أتيت به لك، والقصاص فى الدنيا أهون من القصاص فى الآخرة.
وكان الحسن يقول، إذا ذكر قتل عثمان: عجبا، لهم أرزاق دارّة، وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا إلاّ يودّ نصره وينصره ويألفه، فلو صبروا على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والأرزاق (٢٠٦)، ولكن لم يصبروا، فسلّوا السيوف مع من سلّ، فصار عن الكفّار مغمدا وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة.
وذلك أنّ عثمان كان يقول: أيّها الناس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافية، ثم يقول: أيّها الناس، اغدوا على أرزاقكم، فيأخذون السمن والعسل.
وكان عثمان هيّنا ليّنا، إذا قام من اللّيل يتوضّأ لا يوقظ أحدا من أهله.
قالت عائشة رضى الله عنها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لرجل: «ادع لى بعض أصحابى، فقلت: هو أبو بكر؟ قال: لا! فقلت: فعمر؟ قال: لا! قلت: هو ابن عمّك؟ قال: لا! فقلت: عثمان؟ قال: نعم»! فأتاه فسارّه فى أذنه، ولون عثمان يتغيّر، فلمّا كان يوم الدار وحصر قيل له: ألا تقاتل؟ قال: لا! إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد إلىّ عهدا وأنا صابر نفسى عليه.