ولمّا دفن عمر رضى الله عنه أمسك أصحاب الشورى، ولم يحدّثوا شيئا، ودفن عمر رحمه الله يوم الأحد، مستهلّ المحرّم من سنة أربع وعشرين، وهو اليوم الرابع من طعنه، وعمره يومئذ ثلاث وستّون سنة، وفيه خلاف.
ولمّا اجتمعوا فى بيت المال أو فى دار المسوّر بن مخرمة، وحكموا عبد الرحمن ابن عوف على أن يخرج نفسه من الخلافة، أخذ بيد علىّ عليه السّلام وقال:
عليك عهد الله وميثاقه إن بايعتك ألاّ تحمل بنى عبد المطّلب على رقاب الناس، ولتسيرنّ بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لا تحول عنها (٢١٠) ولا تغضى ولا تقصّر فى شئ منها! فقال علىّ عليه السّلام: لا آخذ عهد الله وميثاقه على ما لا أدركه ولا يدركه غيرى، من ذا يطيق سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ ولكن أسير من سيرة رسول الله بما يبلغه الاجتهاد منّى، وبقدر علمى، فأرسل عبد الرحمن يده، ثم أخذ بيد عثمان، ثم استخلفه بالعهود والمواثيق ألاّ يحمل بنى أميّة على رقاب الناس وأن يسير بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر، ولا يخالف شيئا من ذلك، فحلف له، فقال علىّ عليه السّلام لعبد الرحمن: قد أعطاك أبو عبد الله الرضا، فشأنك فبايعه، فعاد وأخذ بيد علىّ عليه السلام، وعرض عليه ما كان عرضه، فقال على:
الاجتهاد، فبويع لعثمان رضى الله عنه ليلة السبت ثالث المحرّم، وقيل: مستهلّ المحرّم وهو الصحيح، والله أعلم.
وحجّ بالناس فى هذه السنة عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان، ثم حجّ عثمان فى خلافته كلّها عشر سنين، خلا السنة التى حوصر فيها، وهى سنة خمس وثلاثين وجّه عثمان عبد الله بن عبّاس فحجّ بالناس.