أهل بيت أوّل من آمن وأناب، فبغى لنا قومنا الغوائل، وهمّوا بنا الهموم، وألحقوا بنا الوشائط، واضطرّونا إلى شعب ضيّق، وضعوا علينا فيه المراصد، ومنعونا من الطعام والشراب، وكتبوا بيننا وبينهم كتابا، ألاّ يؤاكلونا، ولا يشاربونا، ولا يناكحونا، ولا يكلّمونا، أو ندفع إليهم نبيّنا، فيقتلوه أو يمثّلوا به.
فعزم الله سبحانه لنا على منعه، والذبّ عنه، وسائر من أسلم من قريش، أخلياء ممّا نحن فيه، من هو من حليف ممنوع وذى عشيرة لا يبغى عليه كما بغى علينا فهم من التلف بمكان نجوة وأمن، فمكّننا بذلك ما شاء الله سبحانه.
ثم أذن الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم فى الهجرة، وأمره بقتال المشركين، فكان إذا حضرت الناس ودعيت نزال، قدم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة، وتعرّض من لو شئت أن أسمّيه لمثل ما تعرّضوا له من الشهادة، ولكن آجالهم حضرت ومنيّتهم أخّرت.
وذكرت إبطائى عن الخلفاء، وحسدى لهم، فأمّا الحسد فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته، وأما الإبطاء فما أعتذر فى الناس منه، ولقد أتانى أبوك وقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم (٢٨٢) وبايع الناس الصدّيق رضى الله عنه، فقال أبوك:
أنت أحقّ بهذا الأمر، ابسط يدك أبايعك، وعلمت ذلك من قول أبيك، فكنت الذى أبيت ذلك مخافة الفرقة، وقرب عهد الناس بالكفر والجاهليّة، فإن تعرف من حقّى ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلاّ تفعل فسيغنينى الله عزّ وجلّ عنك.