فقال عبد الله بن عمرو لأبيه: يا أبت، قتلتم هذا الرجل فى يومكم هذا، وقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قال، قال: وما قال يا بنىّ؟ قال: ألم تكن معنا ونحن نبنى المسجد، والناس ينقلون حجرا حجرا، ولبنة لبنة، وعمّار ينقل حجرين حجرين، ولبنتين لبنتين (٢٩٧) فغشى عليه، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: «ويحك [يا ابن سميّة](١)، النّاس ينقلون حجرا حجرا، ولبنة لبنة، وأنت تنقل حجرين حجرين، ولبنتين لبنتين، رغبة فى الآخرة، وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الفئة الباغية»؟ قال: فدفع عمرو صدر فرسه، وجذب معاوية إليه، فقال: يا معاوية، ألا تسمع ما يقول عبد الله؟ قال: وما يقول؟ فأخبره الخبر، فقال معاوية: إنّك لشيخ أخرق، ولا تزال تحدّث بالحديث، وأن تدحض فى شيبك (٢)، أونحن قتلناه؟ إنّما قتله من جاء به.
قال (٣): ولمّا صرع عمّار، تقدّم سعد بن قيس فى همدان، وقيس بن سعد فى الأنصار وربيعة، وعدىّ بن حاتم فى طيئ، فخلطوا الجمع بالجمع، واشتدّ القتال، وحطمت همدان أهل الشام، حتى زووهم إلى قبّة معاوية، قال: وأمر علىّ عليه السّلام الأشتر أن يتقدّم باللواء إلى أهل حمص، وعزلهم عن أهل قنّسرين (٤)، وأكثروا القتل فيهم، وأبلى المرقال فيهم يومئذ بمن معه، فلا يقوم معه أحد، وكان صاحب لواء علىّ عليه السّلام وجعل يرقل كما يرقل الفحل فى قيده،