هلمّ أحاكمك إلى الله، فأيّنا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقال عمرو بن العاص:
قد أنصفك الرجل، فقال معاوية: ما أنصفت أنت، فإنّك لتعلم أنّه ما بارزه أحد قطّ إلاّ قتله أو أسره، فقال عمرو: ما يجمل بك أن يناديك فتتخلّف عن مبارزته، فقال معاوية: أظنّك قد طمعت بها بعدى.
وقيل إنّ معاوية ألزم عمرا بخروجه إلى علىّ عليه السّلام فبرز إليه على رغم منه، فلمّا رآه عرفه، فرفع السيف وهمّ أن يضربه، فكشف عمرو عن عورته، وقال:
أخوك يا أبا الحسن (١)! فحوّل وجهه عنه، وقال: قبّحت قبّحك الله، فرجع عمرو إلى مصافّه سالما.
واقتتل الناس تلك الليلة كلّها إلى الصباح، وهى ليلة [الهرير](٢)، حتى تقصّفت الرماح، وفقد النبل وصار الناس إلى السيوف، وأخذ علىّ رضى الله عنه يسير من الميمنة إلى الميسرة، ويأمر كلّ كتيبة أن تتقدّم على [التى تليها](٣)، ولم يزل يفعل ذلك حتّى أصبحوا، وقد صارت المعركة خلف ظهور أصحاب علىّ عليه السّلام والأشتر فى ميمنة الناس، وعبد الله بن عبّاس فى الميسرة، وعلىّ عليه السّلام فى القلب تارة، وتارة فى الميمنة، وتارة فى الميسرة، والناس (٢٩٩)[يقتتلون](٤) من كلّ جانب، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة، وكسفت فيه الشمس، وارتفع القتام، وتقطّعت الألوية والرايات، ولم يعرفوا مواقيت الصلاة.