قال سعيد بن عمرو [بن سعيد](١) بن العاص: قلت لعبد الله بن عيّاش [ابن](٢) أبى ربيعة: يا عمّ، لم كان صفو الناس إلى علىّ؟ قال: يا بن أخى، إنّ عليّا كان له ما شئت من ضرس قاطع فى العلم، وكان له البسطة فى العشيرة، [والقدم](١) فى الإسلام، والصهر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والفقه فى السّنّة، والنجدة فى الحرب.
ولقد أحسن الضرار إذ قال له معاوية: يا ضرار، صف لى عليّا، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أمّا إذا، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس (٣) بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، (٣١٨) طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، إذا سألناه يعطينا، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيّانا وقربنا منه لا نكاد نكلّمه هيبة له، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوىّ فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، أشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا يده على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، غرّى غيرى، إلىّ تعرّضت أم إلى نحوى تشوّقت، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا، لا رجعة لى عليك، فعمرك قصير، وخطرك قليل، فآه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق،