(٦) فالإقراف ها هنا تغير الجسم وضؤولته. وقوله: الآخذون العهد من آفاقها، معناه أنّ هاشم بن عبد مناف انطلق إلى الشأم فأخذ من قيصر ملك الروم ومن ملوك غسان عهودا وذمة لقريش أن يأتوا الشام ويتجروا به، وانطلق أخوه عبد شمس بن عبد مناف إلى بلاد الحبشة فأخذ لتجار قريش عهدا من النجاشى الأكبر، وذهب عبد المطلب إلى اليمن فأخذ عهدا من ملوكها لتجار قريش، وذهب أخوهم نوفل بن عبد مناف إلى العراق وأخذ من ملوك آل ساسان ومن ساد من بالعراق من العرب عهدا بذلك.
فتوجهت قريش بالتجارة إلى هذه الأربعة الوجوه على حال آمنة بما عفد لهم بنو عبد مناف من الذمم، فسمّي بنو عبد مناف لذلك المجبرين، لأنّ الله جبر بهم قريشا وأغناها بالتجارة، وكان الأصل أن يقال الجابرون، ولكن هاكذا جاء، فيدل على أنّ جبرت وأجبرت بمعنى واحد، والمشهور الكثير جبرت الكسير والفقير فأنا جابر، وأجبرت فلانا على الأمر أى أكرهته وأنا مجبر. وقد أدخلوا أفعل فى باب التمكّن من الفعل، فقالوا:
سقيت الرجل بيدى، وقالوا: أسقيته أى مكنته من الورد، وقتّه أى أعطيته قوتا، وأقته أى مكنته من شئ يتوصل به إلى القوت، وأقبرته إذا أعطيته ما يقبر فيه من الأرض، ولعل تسميتهم المجبرين من هذا، لأنّهم لم يجبروا قريشا بأموالهم، بل مكنوهم من فعل ما ينجبرون به. فالذى ذكرناه هو مقصود الشاعر، والله أعلم.