المدينة على ساكنها السلام، فبينما هو يمشى فى بعض أزقّتها رأى عبد الملك بن مروان، وهو غلام يسعى وعلى يديه بازى، فاستوقفه الحبر. ثم سأله عن نفسه فأخبره عبد الملك، فقال له الحبر: إنى مبشرك ببشارة فما جزاى عليها؟ فقال عبد الملك: إذا عرفت البشارة عرفت قدر جزايها.
فقال له الحبر: إنك تملك الأرض. فقال عبد الملك:{الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. فقال له الحبر: مالى عندك إن كان ما قلته حقّا؟ فقال عبد الملك: أرأيت إن ضمنت لك، أيكون من ذلك ما لم يقدر؟ قال: لا. قال: أفرأيت إن لم أضمن أيمنع من ذلك ما قدر أو يتأخر عن حينه؟ فقال الحبر: لا، فقال عبد الملك: فما أرى للضمان وجها، وإن يكون ما تقول حقّا، وتأتينا يحسن إليك إنشاء الله تعالى.
وروى أن عبد الملك دخل على معوية، وعنده عمرو بن العاص فسلّم (٨٩) وجلس جلوسا خفيفا. ثم انصرف فقال معوية لعمرو: ما أكمل مروة هذا الفتى وأخلق به أن يبلغ. فقال عمرو إن هذا الفتى أخذ بخلايق أربع وترك ثلاثا، أخذ بأحسن الحديث إذا حدث، وأحسن الاستماع إذا حدّث، وأحسن المؤنة إذا خولف، وبأحسن البشر إذ لقى، وترك مزاح من لا يوثق بعقله ولا دينه، وترك مخاطبة ليام الناس، وترك من الكلام كلما يعتذر منه.
بويع له فى شهر رمضان سنة ست وستين وقيل سنة خمس وستين،
(١٨ - ٣،١٣٧) بويع. . . أشهر: انظر تاريخ القضاعى، ص ١٣٦؛ الكامل ٤/ ٥١٧