قلعة الجبل المحروسة التى أضحت بالمقام الشريف الناصرى مأنوسة، فعادت بزينتها بين سائر قلاع الأرض تتجلاّ كالعروسة، لما شيد فيها من البنيان، الذى يعجز عن وصف بعضه صاحب علم البيان، فليس الخبر كالعيان، فتبارك الله الملك الديّان، الذى أيّد مولانا السلطان، بالملائكة والقرآن، حتى ذلّ له الزمان، وعادت أيّامه من صروفه فى أمان، فهو فى مشرفه معد بن عدنان، وفى فصاحته قس وسحبان، وفى بلاغته قدامة بن حطان، وفى كرمه برمكىّ الإحسان، وفى كتابته على ثان، وفى عدله كسرى أنو شروان، الملك العظيم الشأن، ساهر من الثقلان، المتوّج بالنيران، الشمس والقمر من غير نقصان، ولا تدركهما آية الكسوفان، فهو مولانا وسيّدنا السلطان، الملك الناصر، الناصر لملّة القرآن، سمّى سيّد ولد عدنان، محمّد صلى الله عليه كلّما صدح قمرى على أعلا أغصان، والمستبشر به لإعلاء دينه على سائر الأديان، فهو فى عصره سليمان، ذلّت لهيبته ملوك الإنس والجانّ، فلو أدرك زمانه النعمان، لكان من جملة الغلمان، أو قيصر وكسرى وخاقان، (١٣٨) لكانوا من بعض الأعوان، ولو نال من قبله بشر فى الأفلاك مكان، لكان ظهر جواده السماكان، فقلوب الخلائق تحبّه وحبّ الخلق لحبّ الخالق عنوان، فهو مكىّ الحرم، برمكىّ الكرم، هاشمىّ الفصاحة، حاتمىّ السماحة، عثمانىّ الحياء، لقمانىّ الذكاء، يوسفىّ الخلق، محمدىّ الخلق، يظنّ فى الكرم بحرا، ويحسب لفظه للحسن شجرا، إذا أفصل فصلا كان قولا فصلا، وإذا أصل أصلا لم يستطع أحد من الملوك مثله أصلا (من البسيط):
فاق الملوك بأخلاق مهذّبة ... وفات من كان جاراه وباراه
توطّد الملك مذولى ولايته ... واستبشرت حين راعاه رعاياه