البحار كلّها داخلة فى الفلك لأنّه محيط بالأرض كلّها.
وقال علماء الهيئة أيضا: ثم إنّ هذه البحار تنتقل بعضها على بعض وتنتقل من مكان إلى مكان على مرّ السنين والدهور فيصير موضع البحر برّا وموضع البرّ بحرا، قالوا: وعلّة ذلك جريان الماء فإنّ لموضع جريانه شبابا ولموضع انتقاله هرما وحياة وموتا ونشأة كما تكون فى الحيوان والنبات، واستشهدوا بقول أبى العلاء المعرّى (من الربع):
أجبلت الأبحر فى عصرنا ... وعن قليل تبحر الأجبل
وسيأتى أيضا من بيان ذلك فى المكان الذى قدمنا ذكره إن شاء الله تعالى.
(١٥٠) قال ابن الجوزى: وقد شاهدنا ذلك عيانا فى الأنهار العظام كالنيل والفرات ودجلة والنجف بالكوفة، فإنّه كان بحرا تأتى فيه السفن من الهند وغيرها فاستحال الماء إلى موضع آخر، قال: وكذا ببغداد فى دجلة الغور فإنّها استحالت فراسخ وأخربت قرى كثيرة وهى اليوم قد استحالت أيضا.
قلت: وكذلك جرى بنيل مصر فى أماكن كثيرة بسواحله، أكل البحر عدّة ضياع وغمر غيرها، وانتقل من ذلك الجانب الغربى إلى الجانب الشرقى، والذى شاهدته أنّ كان لنا ملكا بمكان يسمّى خور ابن الصعبى وكان بينه وبين البحر نيف وخمسين دارا فأكل البحر الجميع مع عدّة بساتين وصاروا الجميع فى البرّ الغربى برّا متّصلا. وأمّا المالح بالديار المصريّة فإنّه غلب على إقليم يسمّى تنّيس كان من أكبر أقاليم الديار المصريّة، يقال: إنّ كانت عدّة قراه أربع مائة قرية وكانت مدينتها تنّيس تضاهى الإسكندريّة، وكان يضرب بحسن صناعة ما يعمل فيها من القماش المثل، فيقال كأنّه من دقّ تنّيس، فغلب عليها المالح من جهة نواحى الإسكندريّة، وهى اليوم بحيرة عظيمة يصاد منها السمك الذى