لا ولا قطرة. قلت: فأذن لى فى الكنّ ساعة. قال: لا ولا كرامة. قال:
فأنخت ناقتى ولجأت إلى ظلّها فاستترت به. وقلت: لو أحدث لهذا الأمير شيا من الغناء أقدم به عليه، ولعلّى أيضا إن حرّكت لسانى أن يبلّ ريقى حلقى فيخفّف عنّى بعض ما أنا فيه من العطش. فترنمت صوتى <من البسيط>:
القصر فالنخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
إلى البلاط فما حازت قراينه ... دور نزحن عن الفحشاء والهون
فلما سمعه الأسود ما شعرت إلا به وقد احتملنى حتى أدخلنى خباءه. ثم قال لى: بأبى وأمى أنت! هل لك فى سويق السّلت بهذا الماء البارد؟ فقلت: قد منعتنى أقل من ذلك. فقبل قدمى وقال: معذرة إليك يا مولاء. ثم سقانى حتى رويت، ولحقنى الغلمان. فأقمت عنده إلى وقت الرّواح. فلما أردت الرحلة قال الأسود: بأبى وأمى أنت! الحرّ شديد ولا آمن عليك مثل ما لحقك، فأذن فى أن أحمل لك قربة من هذا البارد على عنقى وأسعى بها بين يديك. فكلما عطشت سقيتك صحنا وغننى صوتا!