والسبب فيه؟ قالوا: السماع من أمير المؤمنين أفضل، والنقل عنه أكمل! قال: نعم! حدّث أنّ أول من جلس من ملوك العرب على السرير، واستصبح بالشموع، وعمل المنجنيق، وترفّع عن منادمة البشر فكان ينادم الفرقدين يشرب كأسا ويصبّ لهما كأسين-إلى أن وجد مالكا وعقيلا فاتّخذهما نديمين هو جذيمة الأبرش الغسّاني. وكان موجب ذلك لمّا أتياه بابن أخته عمرو؛ وكان قد استهوته الجنّ قبل ذلك؛ والسبب في ذلك أنّ عمرا كان من أصبح الناس وجها وأسمحهم كفّا، وكان مولعا بحبّ الصيد؛ فبينا هو ذات يوم في صيده إذ نظر إلى ظبية لم ير أحسن منها ولا ألطف من شكلها ولا أزين من زيّها وقرناها ذهب يلمع فتعجّب من زيّها وشدّ عليها وهي تطمعه في نفسها إلى أن غاب عن جيشه وجموعه فلم يشعر بنفسه إلاّ وهو بإزاء جبل عظيم لا يعهده في بلاده وبه فجوة فمرّرت الظبية نفسها في تلك الفجوة فتبعها عمرو بحصانه حتّى خرق الجبل والتفت ليجد الجبل عليه سدّا، ووجد تلك الظبية قد عادت كأحسن ما تكون العذارى، وقالت له: يا عمرو! أتدري من أنا؟ فقال: لا والله! قالت: أنا الشمشاطة بنت دلهام السحابي الذي عصى على سليمان بن داود وحاربه افتردنا بهذه الأرض وإنّ لي مدّة في هواك وقد احتلت عليك حتّى صرت في بلادي وقد صار بينك وبين بلادك مسيرة سبع سنين للسائر المجدّ، فإنني وكّلت بحصانك عفريتين من الطيّارة حتّى قطعا بك هذه المسافة في هذه الساعة.
(٣٧) ثم إنه أقام عندها سبع سنين وهي تحضر بين يديه ما تعجز عن بعضه ملوك الإنس وهو لا يزداد إلاّ غمّا، فقالت له يوما: يا عمرو! إلى كم هذا الإكباب والغمّ الذي أراك فيه؟ لعلّ في نفسك حاجة فتقضى! فقال: نعم! كنت أودّ أن أركب حصاني وتعودي ظبية كهيئتك هاتيك وأطردك إلى طرف بلادي لأشتمّ رائحة أرضي ومرباي ثم أعود! ففعلت ذلك. وكان مالك وعقيل أخوين