يوما: يا ليت شعري يا بني ما تريد بعلمك؟ قال: أريد أن أعرف الله وأتعرّف إليه! قال: وكيف تعرفه؟ قال: أعرفه بفهم كلامه، وفقه أمره ونهيه! قال: وكيف تتعرف إليه؟ قال: أتعرّف إليه بالعمل بما علّمني! فقال له أبوه: لا أعرض لك بعد في أمرك هذا ما بقيت. ثم إنّ أباه سلّم له حاله حتّى صار منه ما شهر.
ومن عجيب أخباره أنّ ساعيا سعى به وبجماعة من الصوفية عند بعض الخلفاء وزعم أنهم زنادقة فقبض عليهم وأحضروا دار الخلافة، وأمر الخليفة بضرب أعناقهم، وبسط النطع وحضر السيّاف، فتقدّم النوريّ إيه، فقال السيّاف للنوري: أتدري إلى ماذا تتقدّم؟ قال: نعم! أتقدّم للموت! فقال له السيّاف: ولم تتعجّل الموت؟ فقال له النوري: لأوثر أصحابي على نفسي بحياة ساعة! فنخر السيّاف كما تنخر السفلة وأغمد سيفه، وقال: أنا أقتل سيّد الفتيان؟ لا كان هذا أبدا! ونمي الخبر إلى الخليفة فعجب وأحضر القاضي، وردّ أمر النوري وأصحابه إلى القاضي ليختبر حالهم فألقى عليهم مسائل في الفقه فأجابه النوري بأحسن جواب، وأتبع كلامه بأن قال: إنّ لله عبادا إذا قاموا قاموا لله، وإذا نطقوا بالله، يعلمون بالعلم، ويعبرون عن الحقائق، قد أرضوا أنفسهم بالله عن التفويض إلى الله، وأخرجوا منها السخط لمكروه القضاء ما لم يثلم لهم دينا أتوه بهم يقينا. قال؛ فبكى القاضي، وقال: يا أمير المؤمنين! إن كان هؤلاء زنادقة فما على الأرض مسلم! فأطلقوا وعرض عليهم مال فأبوا قبوله.