نفسك من غير أن تحرّك به لسانك إذا جنّك الليل: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر إليّ-ثلاث مرّات. ففعل ذلك ليالي ثم قال له خاله: يا سهل! قل ذلك الكلام في نفسك في كل ليلة سبع مرّات. فلبث على ذلك مدّة ثم قال له خاله:
قل ذلك الكلام في كلّ ليلة إحدى عشرة مرّة. فلبث كذلك زمانا. قال سهل:
فوقع لذلك بقلبي حلاوة فأخبرت خالي، فقال لي: يا سهل! من كان الله معه وشاهده وناظر إليه، كيف يعصيه؟
وروي أنّ سهلا حفظ القرآن تلاوة وهو ابن ستّ سنين، وكان يقوم نصف الليل وهو ابن سبع سنين، وكان يفتي في مسائل الورع والزهد ومقامات الإرادة والفقه والعبادة وهو ابن اثنتي عشرة سنة. فلمّا بلغ ثلاث عشرة سنة عرضت له مسألة فلم يجد بتستر (٤٦) من يحسن الجواب عنها فقال لأهله: جهّزوني إلى البصرة ففعلوا، فلم يجد في البصرة ما أراد. وذكر له حمزة بن عبد الله بعبّادان فقصد عبّادان، ولقي حمزة فوجد عنده ما أراد وصحبه.
ومن عجيب أجوبته أنّ رجلا من ذوي اليسار كان مجاورا لخال سهل فحجّ ثم قفل إلى أهله فذهب خال سهل ليهنّئه بمقدمة وبلوغه أمله؛ وانطلق سهل مع خاله؛ فلمّا جلسا إلى الحاجّ أقبل يحدّث خال سهل عمّن بقي من القضاة بمكّة وعن حاله في حجّه إلى أن قال: وشغلني عن طواف الوداع كذا وكذا. ثم التفت إلى سهل كالمازح وسهل إذ ذاك لم يبلغ اثنتي عشرة سنة إلاّ أنّه كان مقصودا بالمسائل معروفا بحسن الإجابة-فقال له: ما تقول أنت يا أستاذ فيمن ترك طواف الوداع؟ فأنشد سهل قول الشاعر (من الطويل):
ولمّا تذكّرت المنازل بالحمى ... ولم تقض لي تسليمة المتزوّد
زفرت إليها زفرة لوحشوتها ... سرابيل أدراع الحديد المسرّد