روي أنه رأى في منامه كأنّ في يده غصنين أحدهما أقصر من الآخر وأدقّ فأورق الكبير من أعلاه ثم ذبل، وأورق الصغير من أوله إلى آخره واستمرّ فقصّ ذلك على يحيى بن خالد بن برمك، وكان يحيى أعقل أهل زمانه وأسودهم وأوقرهم؛ فقال: سيلي ولداك الخلافة، ويكون لهما من بعدك الأمر، وقطع الكلام! ثم إنّ يحيى احتفل بأمر هارون الرشيد دون موسى الهادي، وعاد لا يفارفه ليلا ولا نهارا حتّى مات المهدي، وولي الهادي. وكان (٥١) المهدي قد عقد الأمر لموسى الهادي ثم لهارون الرشيد. فلمّا مات المهدي، واستقرّ أمر الهادي أراد أن يخلع الرشيد، ويعهد لبعض ولده واتّفق مع جماعة من القوّاد وكبار الدولة واستشارهم في ذلك فقالوا: لا يقوم بهذا الأمر غير يحيى بن خالد لرجوع الرشيد إليه وهو قادر على أن يدع الرشيد ينزل عن هذا الأمر من غير عسف ولا عنف. فاستدعى الهادي يحيى بن خالد وقرّبه وأدنى مجلسه ولاطفه وأطلعه على المقصود منه، وكان ولد الهادي دون الحلم، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين! الأمر أمرك، وما يكون إلاّ ما تحبّ! فابتهج سرورا. ثم قال: عن إذن أمير المؤمنين أعرض كلاما فإن وافق وإلاّ أمير المؤمنين المخيّر فيه! فقال: قل! فما أراك إلاّ ناصحا شفوقا! فقال: يرى أمير المؤمنين-أبقاه الله-أنّ الناس يدخلون تحت طاعة ولدك وهو دون الحلم في سنّ الطفولية. فإذا نزل الرشيد عن هذا الأمر وعقدته لولدك وهو في هذا السنّ وحصل-والعياذ بالله تعالى- لأمير المؤمنين مفارقة الدنيا إذا الموت سبيل كلّ حيّ، والرشيد مخلوع من ولاية العهد، أفيأمن أمير المؤمنين أنّ الأمر ينتقل عن أهل هذا البيت الطاهر، ويثب