أمسلم أنت البحر إن جاء وارد ... وليث إذا ما الحرب طار عقابها
وأنت كسيف الهندوانيّ إن غدت ... حوادث من دهر تعبّ عبابها
وما خلقت أكرومة في امرئ ... ولا عابة إلاّ إليك مآبها
إليك رحلنا العيس ما لم نجد لها ... أخي ثقة يرجى لديه ثوابها
قال؛ فحرّك الأعرابيّ رأسه فظننّا أنّ ذلك إعجابا بما سمع. ثم قال: إنّ هذا الشعر خلق مهلهل خطاؤه أكثر من صوابه، كيف يجوز أن تمتدحوا ملوككم بمثل هذا وتشبّهونهم بالبحر وهو ملح غضامض لا يأمن راكبه، ويسفّه صاحبه، وتشبّهونه بالأسد وهو شثن المنظر أخشم أبخر يتلاعب به صبيان الحيّ، وتطرده الرعاة عن الموارد، وبالسيف ولربما نبا عن الضريبة، وخان في وقت الحقيقة، وبالجبل وهو حجر أصمّ لا يسمع ولا يعقل، ولم لا قلتم كما قال صبيّ من حيّنا؟! فقلنا له: وكيف قال صبيّ حيّكم؟ فقال (من البسيط):
إذا سألت الورى عن كلّ مكرمة ... لم يعز أعظمها إلاّ إلى الهول
فتى جوادا أذاب المال نائله ... فالنيل يشكر منه كثرة النيل
لو ناظر الشمس ألفى الشمس كاسفة ... أو زاحم الصمّ ألجاها إلى الميل
(١٠٢) أمضى من النجم إن نابته نائبة ... وعند أعدائه أجرى من السيل
لا يستريح إلى الدنيا وزينتها ... ولا تراه إليها ساحب الذيل
يقصّر المجد عنه كلّ مكرمة ... كما يقصّر عن أفعاله قولي
قال؛ فبهتنا جميعا لما سمعنا. ثم إنه قال: لعلّ أن تنشدوني شعرا ترتاح إليه الروح، وتسكن إليه النفس؛ فابتدر بعض الجماعة وأنشد (من الطويل):
وناعمة تجلو بعود أراكة ... موشّرة يسبي المعانق طيبها
كأنّ بها خمرا بماء غمامة ... إذا ارتشفت بعد الرقاد غروبها
أراك إلى نجد تحنّ وإنما ... هوى كلّ نفس حيث حلّ حبيبها