وصل جعفر بن يحيى من التمكّن من الرشيد ما لم يصله أحد أبدا من أول زمان وإلى آخر وقت مما أجمعت الدولة وأرباب التواريخ على ذلك. فمن ذلك ما رواه الجاحظ قال؛ طلب جعفر الإذن من الرشيد ليفصد وجلس ذلك للخلوة مع ندمائه وجلساء حضرته بعد ما لبسوا خلع المنادمة، وجلسوا في مراتبهم، وأمر الحاجب أن يمنع عنه كلّ أحد ما خلا صالحا؛ ولم يذكر اسم أبيه-وكان صالح أحد ندماء حضرته. فبينا هم في أوائل أمورهم ومبتدأ سرورهم إذ حضر صالح بن علي عمّ الرشيد فظنّ الحاجب أنه صالح (١١١) الذي عناه جعفر فأذن له. فلم يشعر القوم إلاّ وقد أطلّ عليهم! فلمّا حقّقه جعفر < .... > أسرع إلى لقائه؛ ولم يكن صالح ركب إلى جعفر قطّ. فأشار لجعفر أن اجلس! وقال: ألبسونا ما لبستم من خلع المنادمة! فاستعظم ذلك جعفر! فقال: والله لا بدّ من ذلك! أحضر ذلك بين يديه فلبس وتعطّر وجلس إلى جانب جعفر وتناول قدحا وسمع عليه ألحانا وشرب ثم قال: والله ما ذقتها منذ عمري سوى في ساعتي هذه! هذا وجعفر قد تهلّل بقدومه وفعله وقال: يا سيّدي! لقد عطمت خطاك عليّ، وشققت والله على عبد بيتك! فهلاّ أمرتني بالمثول بين يديك لأمتثل أوامرك؟ فقال: أحببت زيارتك في محلّك، ولي حوائج إليك! فقال جعفر: ليأمر مولاي بمهما شاء ليقضى إن شاء الله! فقال: عليّ دين ألف ألف درهم! فقال جعفر: قد قضاها الله تعالى من مال أمير المؤمنين الرشيد! ثم ماذا! جعلت فداك! قال: إنّ ولدي عبد الله قد كبر وأحبّ الولاية، وأحبّ أن يعقد له على ما يليق بمثله! فقال جعفر: قد ولاّه أمير المؤمنين ما أحببت أنت له