الاصطرلاب وساعة ينظر في غيره بحيث دخلت عليه ولم يحسّ بي؛ فلمّا سلّمت ردّ السلام وهو في اهتمامه فقلت: أيها الوزير! إنني لمّا أتيت وجدت بغلة النوبة مسرجة فسررت بعافية الوزير ثم دخلت فوجدتك مهتما فيما أنت فيه فقال: يا أبا البشر! إنّ لذلك سببا! قلت: وما هو؟ أصلح الله الوزير! قال:
رأيت البارح فيما يرى النائم كأنّي راكب هذه البغلة وأنا على شاطئ دجلة وكأنّ قائلا يقول من الجانب الآخر هذا البيت (من الطويل):
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
قال؛ فالتفت إليه وضربت بيدي عجز البغلة وقلت (من الطويل):
نعم نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
ثم انتبهت فزعا منذ الثلث الأخير فأحضرت ما ترى ونظرت فإذا الأمر قد قرب! قال مسرور: فلم يتمّ لي كلامه حتّى وقعت الضجّة وهجم عليه فقال لي:
يا مسرور! هكذا تقوم القيامة! (١٢٣)
ومما حفظ من كلام يحيى بن خالد: النيّة الحسنة مع العذر الصادق يقومان مقام النجح. وقوله: إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة. وقوله: من أحسنت إليه فأنا مرتهن به، ومن لم أحسن إليه فأنا مخيّر فيه. وقوله: أحسن ما يكون الحسن بتجنّب القبيح. وقوله: ذكر النعمة من المنعم تكدير، ونسيان المنعم عليه كفر. وقوله: ثلاثة تدلّ على عقول أصحابها الرسول والكتاب والهدية. وقوله: ما أحد يرى في ولده ما يحبّ إلاّ رأى في نفسه ما يكره.