فلمّا حضر بين يدي الرشيد قال له: يا أمير المؤمنين! إن كنت وعدت الكسائي وعدا فإنه يستنجزه! فقال: إنه كان استوصلني للفرّاء فوعدته فهذا هو الذي قال لك. فقال المأمون: إنه لم يقل لي شيئا! وأخبره بالأمر. فتمثّل الرشيد بقول القائل في ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام (من الطويل):
ورثت أبا بكر أباك بيانه ... وسيرته في ثابت وشمائله
وأنت امرؤ ترجى لخير وإنما ... لكلّ امرئ ما أورثته أوائله
وعن أبي محمد يحيى مؤدّب المأمون قال؛ كان المأمون طفلا جدا وأنا أقرئه {أَلَمْ نَشْرَحْ} وحضرت صلاة الظهر فصلّيت قاعدا وأخطأ فقمت لأضربه فقال: أيها الشيخ! أتطيع الله قاعدا وتعصيه قائما؟! فكتبت بها إلى الرشيد فأمر لي بخسمة آلاف درهم. وروي أنّ اليزيديّ بكرّ ذات يوم لتأديب المأمون وانتظر خروجه فتأخّر فأرسل إليه يعلمه بانتظاره وكان يلعب. ثم إنه خرج فضربه اليزيديّ بالدرّة فبينما هو يبكي دخل حاجبه فقال: إنّ جعفر بن يحيى يستأذن! قال؛ فاستوى جالسا على مرتبته، وجمع عليه ثيابه، ومسح عينيه ثم قال للحاجب إئذن له! فلمّا دخل جعفر رحّب به المأمون وقرّبه وتبسّم إليه وحادثه. ثم نهض جعفر فأمر المأمون بدابّة فقرّبت منه وأمر غلمانه فسعوا بين يديه. قال اليزيديّ؛ فلمّا خرج جعفر قلت للمأمون: لقد كنت مشفقا أيها الأمير أن تشكوني إليه! فقال: إلى أين يذهب بك-عافاك الله-أنا أري جعفرا أني أحوج نفسي (١٤٧) إلى تأديب! والله ما يطمع الرشيد مني بذلك! خذ في أمرك عافاك الله! وروي أنّ الرشيد رحمه الله اطّلع في مستشرف له على قصره فرأى ولده عبد الله المأمون يكتب على حائط؛ فقال لخادم: إنطلق حتّى تنظر ماذا يكتب عبد الله واحرص أن لا يراك ولا يفطن لك! فذهب الخادم فنظر ثم عاد إلى