شرابه في تاريخ ما تقدم من ذكره؛ وعمره يومئذ اثنان وعشرون سنة. وكانت مدة ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر. ثم بويع لعمّه شيبان. وبلغ ذلك طغج مع جماعة من وجوه القوّاد فاتّفقوا وكتبوا إلى الحسين بن حمدان، وأخبروه بقتل هارون، وكاتبوا أيضا لمحمد بن سليمان وطلبوا الأمان وحرّكوه على المسير فدخل محمد بن سليمان إلى مصر وحبس شيبانا بعين شمس فقفز عسكره إلى محمد بن سليمان، وطلب شيبان الأمان، وخرج من الفسطاط؛ فكانت ولايته اثنين وعشرين يوما. ثم دخلها محمد بن سليمان الكاتب فأمر بإحراق القطائع فأحرقت، ونهب أصحابه الفسطاط ثم ركب بعد ذلك بنفسه، وطمّن قلوب الناس، وأطلق من في السجون، وسار سيرة حسنة، ودعا من الغد لأمير المؤمنين المكتفي بالله على المنابر، وولّى طغج بن جفّ على قنّسرين مضافا إلى دمشق. ثم أخرج بني طولون وهم يومئذ عشرون نفرا، وأخرج جميع قوّاد ابن طولون ومواليهم وأتباعهم ومن كان يلوذ بهم ولم يترك بمصر منهم أحدا.
نكتة: قيل إنّ أحمد بن طولون لما كان متملّكا مصر رأى في منامه أنّ شخصا يكنس داره فقصّه على القاضي بكّار رحمه الله فقال: تعرفه؟ قال: إذا رأيته عرفته! قال: فاجمع لي سائر أصحابك واعرضهم عليّ! فجمع أصحابه وعرضهم فلم ير ذلك الشخص الذي رآه في المنام فقال القاضي: هل بقي من أحد؟ فقيل: لم يبق غير كاتب وهو في المطبخ! فقال: أحضره! فلمّا رآه ابن طولون قال: هو هذا! فسأله: ما اسمك؟ قال: محمد بن سليمان! فقال (٢٦٤) ابن طولون: ما تقول يا قاضي؟ فقال القاضي: إذا أراد الله تعالى أمرا يأتيه! فقال ابن طولون لذلك الكاتب: أخرج من هذه البلدة وإن رأيتك بعدها قتلتك!