فقال: والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا خوفا على انتزاع الملك ولكن على المسلمين الذين أسروا واسترقّوا. ثم نظر إلى صاحب جيش المطوّعة-وهو عبد الله بن عبيد الضبي-وقال له: كأنّي بك تقول: إنّ هذا يحتاج إلى خلق والناس مستورون وليس لهم عدّة؛ فأحضر الرجّال ولكّ الأموال والخيول والعدد! فخرج وجمع الناس. ثم إنّ الله عزّ وجلّ كفى الأمر على يد الفقيه أبي بكر ابن الأزهر البخاري-وكان يعدّ بألف-فخرج بأربعمائة فارس ممّن رغب في الشهادة، وأن يكون فداء المسلمين؛ ومعهم (٢٧٥) مائة راجال على سبيل الكشف لأخبار الترك فيسّر الله عليهم إحراق العسكر القاصد إلى بخارى! وذلك أنهم نزلوا واديا في برية الفضاء-وهذه برية مسافة أيام جميعها ملتفّة بشجر العضاه فوقعت السرية عليهم ليلا والترك قد اجتمعوا في واد وقد تكاثفت عليهم أشجاره فأمر النفّاطين بإطلاق النار فأحاطت بهم. وأرسل الله عليهم الرياح العواصف فلم يسلم منهم أحد؛ وكان هذا مما يتعجّب منه. وأمّا قاصدو خوارزم فإنهم حصل لهم من أهلها أسرى لا يحصرهم العدد كثرة فعادوا بهم فلمّا فرغت السرية من العسكر القاصد بخارى عزموا على الرجوع فأشار عليهم أحد شيوخ المطوّعة وهو أبو أحمد أن يقصدوا العسكر القاصد خوارزم لعلهم يجدون فرصة لتخليص الأسرى! فساروا فوجدوا الترك قد عادوا عن خوارزم مسافة ثلاثة أيام لم ينزلوا ثم نزلوا فسار المطوّعة وكمنوالهم عن قريب منهم.
وخرج ابن الأزهر ومعبد ودخلا عسكر الترك وقصدا مجتمع الأسرى فوقعا فيهم وكلّماهم فانتبه الأسرى فأخبراهم أنّهما من أهل بخارى وعرّفاهم مكان السريّة وأطلقا منهم رجالا. وعاد بعضهم يحفّ بعض، ورسم لهم ابن الأزهر أن يثوروا على الترك من وسطهم إذا ضرب السريّة الطبول. وخرج ابن الأزهر ومعبد إلى السريّة وفرّقاها أربع فرق، وضربت الطبول من أربع جوانب العسكر فما نبّه الترك إلاّ أصواتها، وتفرّق عليهم أهل خوارزم بكثرتهم فلم يخرج أحد