للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجميع كتّابه وألزمهم بأموال جمّة، وتوعّد الحسين بالعقوبة، وفعل بألزامه وحاشيته وأولاده كلّ قبيح؛ والحسين يتضرّع إليه ويسأله وهو لا يزداد إلاّ تنمّرا.

فلما كان في أوّل هذه السنة أحضر الحسين بين يدي ابن بسطام وقرّعه وسفه عليه، وأحضر بعض حاشيته وخواصّه وضربه بالسياط قدّامه، ثم قدّم أحد بنيه وأمر بتجريده وقدّم له السياط وألزم بالأيمان التي لا فسحة له فيها متى لم يورد في ذلك النهار عشرة آلاف دينار (٢٨٩) أوقع الفعل ببنيه قدّامه ثم به نفسه.

فلمّا عاين الحسين بن أحمد ذلك قال: أصلحك الله! إنّ لي إليك سرّا بيني وبينك فإن رأيت أن تخليني بك فعلت! قال: فتوهّم ابن بسطام أن يعده بشيئ من المال لنفسه فقال: معاذ الله أني أقبل الرشوة على مال أمير المؤمنين، فلا تطمع نفسك مني بذلك! قال: فتناول عند ذلك الحسين من عمّته كتابا لطيفا وقال: لتقف على هذا الكتاب أصلحك الله، وتأمّل ما فيه سرّا في نفسك! قال:

فلمّا وقف عليه وجده جميعه بخطّ يد الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين بإعادة الحسين بن أحمد إلى منصبه وإيقاع الحوطة على ابن بسطام! فلم يملك نفسه دون أن وثب قائما يقبّل رأس الحسين وأطرافه وأجلسه ووقف مكانه بين يديه ورأسه بين رجليه لقرب عهده بما فعل به. قال؛ فنهض الحسين إليه وأجلسه إلى جانبه وقال: لا بأس عليك! إنّما أنت كنت مجتهدا في نصيحة أمير المؤمنين! ثم إنّه بالغ في كلّ ما تصل القدرة إليه من الإحسان ولم يسترفع منه ولا من كتّابه حساب تلك السنة التي وليها وزوّده من ماله بجملة كثيرة مع تحف ولطائف من دق تنّيس وغيرها، وشيّعه بنفسه إلى ظاهر الفسطاط. قلت: وهذه الواقعة فيها تنبيه من غفلة وتيقّظ من جهل.