قلت: هذا ما حكاه ابن الجوزى فى تأريخه مرآة الزمان فى أوّل جزء منه، وسنذكر من أخبار الأندلس ما هو أكثر من هذا وأوضح وأشفى للطالب فى الجزء المختصّ بذكر بنى أميّة وكيف كان دخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وتملّكه إيّاها مع من تلاه من ولده إلى آخر ما انقطع عنهم الملك بالجزيرة المذكورة إن شاء الله تعالى.
ومن عجائب الدنيا أيضا ما ذكره ابن الجوزى رحمه الله قال:(١) إنّ برومية صفة طائر سودانى مصنوع من نحاس على عمود من نحاس على الباب الشرقى فإذا كان أوان الزيتون صفر ذلك السودانى فلا يبقى سودانيّة من الطيور إلاّ جاءت بثلاث زيتونات فى منقارها (٢٠٢) زيتونة وزيتونتان فى رجليها فتلقى ذلك على تلك السودانية المصنوعة النحاس فيأخذه أهل رومية فيعصرونه لما يكفيهم لأدمهم ووقيدهم وضروراتهم إلى العام القابل فإنّ بلاد رومية ليست ببلاد زيتون ولا يفلح فى أراضيها.
قلت: قد مضى القول فيما تقدّم من الفنون، المشنّف للمسامع، المنزّه للعيون، حسب الطاقة وجهد الاستطاعة بحكم التلخيص، وترك الإطالة والتفحيص، وإنّما أتبعنا من كلّ قول أحسنه، ومن كلّ فنّ أجمله، ولنردف القول الآن بذكر طبائع الأزمان، ونتلو ذلك بالمخلوقات من الأمم الفانيات، والرمم الباليات، ممّن أكل الدهر عليهم وشرب، ليعتبر بذلك الفاضل اللبيب الأرب، ونجمع إلى الأخبار نكت الآثار وما قيل عن زعم الفلاسفة الكبار، وما خلق بزعمهم قبل آدم عليه السلام، من الأمم الذين طحنتهم الأيّام، وأكلتهم السنون من الأعوام، وليكون قولنا فيما زعموا للتعجّب لا للتصديق، وبالله التوفيق.