مصر ثم خرج إلى الشام وكانت حروب ووقائع يأتي ذكرها في الجزء التالي لهذا الجزء إن شاء الله تعالى.
وفيها كان الغلاء بمصر، واشتغلت الإخشيدية عن النظر في حال الناس بالنزه واللهو والطرب، وعادت الناس في أشدّ ما يكون. ووجد في القصر رقعة مكتوب فيها بخط لا يشاكل خطّ الكتّاب حتى قيل إنّ الجنّ كتبوها فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} الآية. وقدرتم فأسأتم، وملكتم فتخلّيتم، ووليتم فظلمتم، وحكمتم فجرتم، ودرّت عليكم الأرزاق فقطعتم أرزاق العباد، واغتررتم بصفو أيامكم ولم تنظروا في العواقب، ولم تراقبوا المراقب، وانعكفتم (٣٣٧) على اللذات، واستهترتم بسهام الليل الصائبات لا سيّما إذا خرجت من قلوب أحرقتموها، وأكباد أجعتموها! ولو تأملتم حقّ التأمّل لانتهيتم عمّا فعلتم، وبكيتم على ما قدّمتم! هذا مع كلام كثير آخره يقول: فكفى بمحنة ملك أن يكون موته فرجا لأصدقائه، وفرحا لأعدائه! فاعملوا ما شئتم إنّا صابرون، وجوروا ما استطعتم فإنّا عليكم بالله مستجيرون، وادّرعوا بعزّكم وسلطانكم فإنّا بالله متدرّعون، واعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فلم يقم أمر الإخشيد بعد هذه الورقة إلاّ سنة وأخذهم الله بما كانوا يفعلون.
ولمّا اشتدّ البلاء بالناس من وجوه عدّة كاتبوا المعزّ الفاطميّ وهو يومئذ بالقيروان، وتوجّه إليه جماعة من وجوه مصر بعد خطوب كثيرة وأحوال منكرة.
فجهّز المعزّ قائده جوهر فإنه اختشى أن تكون مكيدة عليه من جهة الخلفاء