وسنذكر ما قاله غيره بعد ذلك، وقال: وكان اسمه فى السماء عزازير، ولم يكن فى الجانّ أعظم من خلقه ولا أشدّ بطشا ولا أعظم طاقة، وكان يصعد إلى السماء ويقف فى صفوف الملائكة ويحتهد فى العبادة فلمّا بغا بعض الجنّ على بعض وكانت بينهم تلك الحروب أهبط إلى الأرض بإذن الله تعالى فى جند من الملائكة فقتل من الجنّ قتلا ذريعا وهزمهم إلى خراب الأرض وجعل ملكا من قبل الله عزّ وجلّ على الأرض يحكم بين خلقه من الجنّ بأمر الله وخافوه سائر قبائل الجنّ، وأقام فى الأرض ملكا ما شاء الله عزّ وجلّ من الدهور.
وكان يصعد لمحلّ عبادته ليعبد الله تعالى ويهبط إلى الأرض لمحلّ ملكه، ولم يزل كذلك حتى بلى بمحنة آدم عليه السلام لمّا تجبّر وطغا وتمرّد، وكان من امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه ما أخبرنا الله تعالى عنه فى كتابه العزيز على لسان نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم لما نذكر من ذلك فى موضعه.
قال المسعودى: فأهبط إلى الأرض بعد قصّته مع آدم عليه السلام فى أقبح صورة وأشدّ تشويها فأنكره جميع قبائل الجنّ واستوحشوه واستبشعوه وامتنعوا عليه من الطاعة له فلمّا رأى ذلك سكن البحر المحيط وجعل له عرشا على الماء وألقى عليه (٢١٧) حبّ الشهوة وعاد لقاحه كلقاح الطير وله بيض يحضنه كما يحضن الطير، ورزق من الأولاد خلق كثير وهم الذين فى طاعته لوسوسة بنى آدم.
قلت: هذا ما رواه المسعودى رحمه الله، ولنذكر الآن ما رواه فى هذا الفصل الشيخ جمال الدين ابن الجوزى رحمه الله فإنّه فصل حسن.