كم داير بنا الدهر من أحداثه ... عبرا وفينا الصّد والإعراض
ننسى الممات وليس نجرى ذكره ... فينا فتذكرنا به الأمراض
ومن قوله فى الغزل:
ومهفهف ثمل القوام سرت إلى ... أعطافه النشوات من عينيه
ماضى اللحاظ كأنما سلت يدى ... سيفى غداة الروع من جفنيه
قد قلت إذ خط العذار بمسكه ... فى خده ألفيه لا لاميه
ما الشعر دب بعارضيه وإنما ... أصداغه نفضت على خديه
الناس طوع يدى وأمرى نافذ ... فيهم وقلبى الآن طوع يديه
فاعجب لسلطان يعم بعدله ... ويجور سلطان الغرام عليه
والله لولا اسم الفرار وأنه ... مستقبح لفررت منه إليه
ومن شعره أيضا ما رواه القاضى ابن خلكان-فى تاريخه-من رواية ابن نجية الواعظ الدمشقى، قال: أنشدنى الصالح لنفسه يقول:
مشيبك قد نضى صبغ الشباب ... وحل الباز فى وكر الغراب
تنام ومقلة الحدثان تقضى ... وما ناب النوائب عنك ناب
وكيف بقاء عمرك وهو كنز ... وقد أنفقت منه بلا حساب
قلت: لو قال مكان «أنفقت» «أسرفت» لكان أحسن فى باب التورية.
وكان المهذب عبد الله بن أسعد الموصلى المعروف بنزيل حمص قد قصد الصالح ومدحه بقصيدة حسنة، وهى الكافية التى أولها يقول:
أما كفاك تلافى فى تلاقيكا ... ولست تنقم إلا فرط حبيكا
وهى من نخب القصائد، وفيها طول، ولذلك لم أثبتها بجملتها، ومخلصها يقول:
وفيم تغضب إن قال الوشاة سلا ... وأنت تعلم أنى لست أسلوكا
لا نلت وصلك إن كان الذى نقلوا ... ولا شفى ظمئى جود ابن رزيكا