جالسا؟». قلت:«الملك الأفضل ولدك، والناس وقوف بين يديه». فنهت ودمعت عيناه وقال:«أف للدنيا ماذا تغير من الأحباب على الأحباب». ثم قال:«اخرج إليهم وعرفهم بعض ما أنا فيه».
وعن القاضى الفاضل قال: حضرت عند السلطان صلاح الدين فى مرضه، فأمر بطعام، فقدم وقد جلس الملك الأفضل فى دست أبيه، فقال لى:«يا قاضى اخرج وانظر الناس كيف هم بعدى». قال، فخرجت، فلما رأيت ولده مكانه، رجعت وقد عميت من البكاء، وكذلك بكى كل من حضر. وكان أشد يوم على الناس.
ثم إن السلطان صلاح الدين ثقل فى المرض. وعن إمام الكلاسة قال:
حضرت عند السلطان صلاح الدين لما أمرنى ولده الملك الأفضل أن ألقنه الشهادة، فوجدته قد غاب ذهنه، فقرأت {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ}». قال فسمعته يقول:«نعم هو كذلك». قال الشيخ: فقلت فى نفسى هذه عناية من الله تعالى بهذا الرجل فى دنياه وآخرته. قال الشيخ: ثم قرأت -وقد غاب ذهنه أيضا-إلى أن انتهيت إلى قوله تعالى {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}». قال الشيخ: فرأيته وقد تبسم وتهلل وجهه، وفاضت نفسه، رحمه الله تعالى.
وعن القاضى الفاضل قال: لما مات السلطان صلاح الدين-رحمه الله تعالى- حصرنا تركته، فوجدنا فى خزائنه أحد وأربعين درهم، ودينار واحد صورى.
هذا كان ملكيته لنفسه فى ذلك الوقت.
وتوفى وله من العمر سبع وخمسين سنة. وكان مولده سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة بتكريت. وكانت مدة مملكته بالديار المصرية نحو أربع وعشرين سنة. وملك الشام بعد نور الدين وولده الصالح نحوا من تسع عشرة سنة.