وكان الأفضل قد وصل إلى القاهرة وأصلح حاله، وخرج لملتقى العادل، فالتقيا على الصالحية، وانكسر الأفضل كسرة عظيمة لا جبر لها. ودخل القاهرة فى نفر قليل. وأقام العادل على الصالحية، وسير إلى الأفضل رسول يقول له:«أنت تعلم أن مصر إقليم عظيم، وله فى أنفس الناس ناموسا عظيما، فالله الله لا تحوجنى أخذها منك بالسيف، فيكون ذلك نقصا فى حق هذا الإقليم، فارحل عنها إلى مكانك بصرخد، وأنت آمن على نفسك ومالك وحريمك». فقبل الأفضل ذلك، ورحل إلى صرخد، بالرغم منه.
وكان [أن] أعطاه العادل فى الصلح ميافارقين وعدة بلاد، وقع اليمين عليها.
ثم انتقض الحال فى أمر البلاد المذكورة، ولم يستقر للأفضل غير صرخد فقط.
ودخل الملك العادل إلى مصر سلطانا مستقلاّ، وهو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب، وباقى نسبه قد علم. استبد بالملك بالديار المصرية والبلاد الشامية بدمشق وأعمالها، وممالك الشرق التى كانت فى يده قبل ذلك من حياة أخيه السلطان صلاح الدين، رحمه الله. وملك جميع ذلك فى هذه السنة المذكورة، وقام بالملك أحسن قيام، ونظم الأحوال أحسن نظام، ومشى على ما كان عليه أخوه السلطان صلاح الدين، رحمه الله. وأقام بالديار المصرية بقية هذه السنة، ثم أقام بها الملك الكامل، وتوجه [العادل] إلى بلاد الشرق حسبما يأتى من ذكره.
قال ابن واصل: إنما كان دخول العادل إلى الديار المصرية أولا أتابكا للملك المنصور. ثم استقبح ذلك فاستبد بالأمر، وقام بأمر السلطنة، فلذلك حصلت الوحشة من الأمراء الصلاحية، وخرجوا عن طاعة الملك العادل خيفا من ذلك.