بستان خراب، فتحيّل الصبى حتى مسك ثعبانا عظيما، وسيّره إلى أبيه، وقال له:«ارحمنى، والله مالى مجاور غير هذا وأنظاره». وظن أنه يرق له، فلم يزدد عليه إلا قساوة. فاحتال الصبىّ وهرب من تلك الدار واختفى. فلما بلغ أبوه، شنق البواب على باب الدار، ثم نفذ البريد يتطلب الصبى فى سائر ممالكه، فلم يخبره أحد به.
وكان الصبى يمشى فى الأسواق وتحت قلعة أبيه، والناس يعرفونه ويدعون له ويحسنون إليه، محبة فيه وبغضا فى أبيه. وكان الصبى متولعا بإحدى حظايا أبيه، فكان يكاتبها وتكاتبه. فكتبت إليه أن يأتيها الليلة. فأتاها، وأقام معها فى القصر.
ثم إن الملك شرب تلك الليلة، وأحضرت الملاهى والأغانى، فأمعن فى شربه، ورسم أنه يغنوا له فى الفراق وما أشبه ذلك. ثم ذكر ذنوبا فعلها مع الناس، وظلمه لأولاده.
هذا وغازى ولده على أعلى القصر يسمع وينتظر غفلته ليقتله. فلما ثمل من الشرب، وخرج الأغانى، وخلا بنفسه، قام إلى الخلاء، فوثب عليه غازى فقتله، وضربه بالسكين أحد عشر ضربا، ثم لم يقنعه حتى ذبحه. ولو كان-مع مشيئة الله عز وجل-جلس فى ذلك الوقت كان استقر أمره فى الملك، وإنما التهى مع تلك الجارية بالأكل والشرب، ورأس أبيه بين يديه، فخرجت جارية صغيرة إلى الدهليز، وعرّفت لأستادار أبيه الصورة، فسير ذلك الأستادار من وقته، وأخرج بقية الأولاد المحبسين، وأخبرهم بقتل أبيهم، فجلسوا على الباب، وأحضروا الحجاب وكبراء الدولة، ومسكوا غازى واعتقلوه. وجلس ابنه مودود فى دست الملك، والله أعلم.
وفيها وصل إلى بورة أربعة عشر مركبا من مراكب الفرنج، فنهبوها وأسروا من فيها، فخرج إليهم الملك الكامل فى الشوانى الإسلامية. فلما بلغهم ذلك هربوا.
وبورة هذه بالقرب من دمياط.
قال ابن واصل: فى هذه السنة كانت وفاة الملك المؤيد نجم الدين مسعود ابن السلطان صلاح الدين، بالسبب الآتى ذكره فى تاريخه.