وفيها-فى يوم الجمعة ثانى عشر ربيع الآخر-كسر الملك الأشرف موسى ابن السلطان الملك العادل لملك الروم كيكاوس السلجوقى. وسبب ذلك أن الملك الأشرف جمع عساكر الشرق وعسكر حلب، ودخل بلاد الفرنج وأشغلهم عن دمياط، ونزل على صافيتا وحصن الأكراد. وكان السلطان [العادل] بمرج الصفار مريضا، حسبما تقدم من القول، فاستغنم صاحب الروم غيبة الأشرف بالعساكر، واشتغاله بالفرنج، وخرج إلى رعبان يريد يتسلم حلب لخلوها من العساكر. وأخذ رعبان وتل باشر، فبلغ الملك الأشرف ذلك، فعاد من صافيتا إلى حلب وقد سبقه صاحب الروم إلى منبج، وتقدم بعض عسكره إلى بزاعة. وكان الملك الأشرف بظاهر حلب. وتقدم بين يديه المبارز بن خطلخ وسنقر الكبير والحلبيون مع جماعة من مشاهير الجيش. ونزل الملك الأشرف بعدهم على تل بزاعة. وقدم العرب بين يديه، والتقى بعسكر الروم. وكان الملك الأشرف مؤيدا فى سائر حروبه، فكسر صاحب الروم كسرة شنيعة. وكانت العرب أكثر نكاية فيهم. ثم استرد الملك الأشرف رعبان وتل باشر، وأعطاهما للملك العزيز صاحب حلب. ثم بعث الأشرف سيف الدين ابن كهدان والمبارز بن خطلخ فى عسكر كثيف إلى خدمة أخيه الملك الكامل، وهو على ثغر دمياط.
وفى آخر جمادى الأولى أخذ الفرنج-خذلهم الله-المنازل على دمياط، وملكوا برج السلسلة. وكان هذا البرج قفل الديار المصرية. فنفذ الملك الكامل إلى أبيه السلطان العادل صدر الدين شيخ الشيوخ، يخبره بذلك، ويستصرخه ويستنجده. فلما اجتمع به وكان على حطة من المرض فعرفه، فدق بيده على صدره، وكان سبب وفاته، رحمه الله، كما يأتى بيان ذلك فى موضعه، إن شاء الله تعالى. قال الشيخ علم الدين السنجارى: إن هذا البرج كان قفل الديار المصرية، وذلك أنه كان برجا عاليا بنى فى وسط النيل، وفى ناحيتيه سلسلة وسلسلة، تمتد إحداهما على النيل