ثم إن الأشرف ترك جيوشه عند الملك الكامل، وعاد إلى بلاده فى نفر قليل، خوفا عليها. وعظمت جيوش الإسلام، واطمأنت النفوس. فلما رأوا الفرنج المخذولين ذلك، كاتبوا بقية ملوكهم، وأتّهم الأمداد فى البحر، ودخلوا إلى دمياط، وحصنوا أسوارها، وبنوا ما كان أخربوه منها. وكان نزول السلطان الملك الكامل على المنصورة-وهى طلخا-وبنى بها قصرا وأسواقا وحماما. وبلغ فى الحمام أجرة غسل الرأس جملة. وعادت مدينة.
ونزلت الفرنج قبالهم. واستمرت بينهم الحروب. وفشا القتل فى الطائفتين.
وكان الحرفوش من المصريين يجعل على رأسه قشرة بطيخة خضراء، ويعوم فى البحر محاذيا للبر، فيراها الفرنجى، فيظن أنها بطيخة، فيمد يده ليأخذها، فيجذبه الحرفوش، فيأخذه أسيرا، حتى عادوا إذا رأوا شيئا عائما على الماء يصلبوا على وجوههم ولا يقربوه.
قال أبو المظفر: فبينماهم كذلك إذ قدم الملك المنصور وعساكره، وكذلك الملك الناصر صلاح الدين قليج أرسلان، ثم تلوهم بقية الملوك إخوة السلطان الملك الكامل وأولاد عمه، وكان ذلك فى سنة ثمان عشرة وستمائة، حسبما يأتى.
وفيها-وهى سنة ست عشرة-استدعى الصاحب صفى الدين بن شكر من القاهرة، ووصل إلى المخيم مستهل شوال، وخلع عليه وعلى أولاده، ووزّر ونظر فى الدولة، واستخرج من الناس أجر أملاكهم شهرين، وكذلك التبرع. واستخدم الرجال، والحرب مستمر.
وفى سنة ست عشر كان أول بدء خروج التتار من بلادهم الأصلية المسماة -بلسان التركية لغتهم-قراطاغ، معناه الجبل الأسود. وفى مبتدأ خروجهم، وفى ذكر أصلهم أشياء عجيبة غريبة الوقوع وقعت للعبد من كتاب يأتى اسمه وسبب تحصيله عند ذكرهم، إن شاء الله تعالى.