للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحلق لحى بقيتهم، وجدع أنافيهم وآذانهم، وجرّسهم، ورءوس القتلى فى أعناقهم. وطاف بهم فى سائر ممالكه. ثم ردهم إلى جكزخان. ثم جمع جيوشه وسار ستة أشهر إلى أن وصل إلى بيوت التتار، فلم يجدهم بها، فوجد النساء والأطفال والصبيان، فأوقع بهم وسباهم، ورجع. وكان سبب غيبة التتار عن بيوتهم أنهم قصدوا ملكا من ملوك الترك، يقال له كشلوخان، فكسروه وغنموا أمواله، ثم عادوا إلى بيوتهم. فوصل إليهم الخبر بما جرى عليهم من خوارزم شاه، فلحقوه قبل خروجه من أرضهم، وتصافف العسكران، واقتتلوا قتالا لم يعهد مثله منذ أول زمان، وإلى ذلك التاريخ. وأقام السيف يعمل ثلاثة أيام بلياليها، ليلا ونهارا، إلى أن قتل من الفريقين ما لا يعلمه إلا الله عز وجلّ. وكلّوا الطائفتين من القتال، وعدم صبرهم من الجوع والعطش والتعب، ووقفت خيولهم من الجولان. والذى اتفقت عليه أرباب التاريخ، أن هذه الوقعة لم يحضرها جكزخان، بل كان المقدم ولده بيشخان.

فلما كانت الليلة الرابعة، افترقت كل طائفة عن الأخرى، ونزل كل ملك مقابل الآخر. فلما أظلم الليل، أوقدت التتار نيرانهم، وتركوها، وساروا طالبين ديارهم. وكذلك فعل المسلمون أيضا، لأن كل طائفة من الفريقين عجزت عن الأخرى. ثم عاد التتار وقد عدم منهم خلق لا يحصى عددهم إلا الله تعالى.

والذى قتل من المسلمين-ما أجمعوا عليه أرباب التاريخ-مائة ألف وعشرين ألف.

ورجع خوارزم شاه إلى بخارا، وبلغه أن جكزخان لم يكن حاضرا هذه الوقعة مع كبار مغله، فتحقق أنه لا له قبل بهم، فاعتد للحصار لما علم من عجزه عنهم. وجمع الذخائر فى القلاع الحصينة، وجعل فى بخارا ثلاثين ألف مقاتل، وفى سمرقند خمسين ألفا،