وقال:«احمل مداسه واخدمه ستة أشهر»، فشفع فيه حتى أعفى، وأعطى الغلام حقه، وزاده.
وكان إذا سافر لا يجسر أحد أن يتناول من فلاح بيضة ولا عليقة بغير حقها، وربما شنق من الجند على شئ من ذلك.
وكان لما مرض انقطع أياما، وشنع بموته. ثم انصلح قليلا، فأمر بالسّماط، فمدّ بين يديه، وجلس مجلسا عاما، وأمر بالدخول عليه. وفرح ذلك اليوم فرحا شديدا، وأخلع وأنعم، وأعطى. وتقدمت الأدباء والشعراء وامتدحوه. وأجاز جوائز سنية.
ثم نظر إلى ابن النابلسى، وهو بين يديه جالس، وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء، فقال له:«وأنت ماذا تقول؟»، فأنشده على البديهة يقول:
ولما شكوت شكا كل ما ... على الأرض واعتلّ شرقا وغربا
وتاه بذاك قلوب الأنام ... ولم يبق للناس عقلا ولبا
لأنك قلب لهذا الزمان ... وهل صح جسم إذا اعتلّ قلبا
قال: فأعجبه ذلك، ووقع على كل سطر بمائة دينار. ثم انتكس من ليلته.
قال العدل عماد الدين يحيى الحسنى البصرى: حدثنى الخادم مجير الدين خادم السلطان الملك الكامل، قال: طلب منى السّلطان الطست ليتقيأ. قال: فأحضرته. وكان الناصر داود جالسا على الباب، فطلب الإذن للعبور إليه. فقلت للسّلطان:«داود على الباب». فقال:«ينتظر موتى!» وانزعج. فخرجت وقلت له:«ماذا أوقفك يا خوند؟» فقام وتوجه إلى دار أسامة، وكان نازلا بها. ثم جلست ساعة ودخلت فوجدته قد مات، والطست بين يديه، وهو مكبوب على المخدة، رحمه الله تعالى.
قال ابن واصل فى تاريخه: إن وفاة السلطان الملك الكامل فى سنة خمس وثلاثين.