وهو يومئذ سلطان الإسلام، حكى لى صورة الحال، قال: ركبونى بغلة بغير مهاميز ولا مقرعة ولا دبوس، وساروا بى إلى البرية فى ثلاثة أيام، فو الله ما كلمتهم كلمة واحدة، ولا أكلت لهم زادا، حتى حضر خطيب الموتة ومعه دجاجة فأكلتها، وأقاموا بى فى البرية يومين، ولا أعلم مقصودهم ما هو. وكان قصدهم أن يطلعونى الكرك فى طالع نحس، يقتضى ألا أخرج من الكرك. ثم أدخلونى الكرك ليلا، على الطالع الذى اختاروه لنحسى، فاختاره الله عز وجلّ لسعادتى ونحسهم. ووكّل بى مملوك فظ غليظ يقال له زريق. وكان علىّ أضر من كل شئ أنا فيه، فأقمت عندهم إلى شهر رمضان، سبعة أشهر. ولقد كان عندى خادم صغير، فأكل كثيرا فتخم، وبال على البساط، فأخذت البساط بيدى وخرجت إلى الدهليز، وقلت:
«يا مقدمين هذا الخادم قد أتلف هذا البساط، لعل تأخذوه وتغسلوه فى النهر بالوادى». قال: فنفر فىّ زريق، وقال:«إيش خروجك إلى هاهنا؟» وصاحوا علىّ. وكان قد وكل بى ثمانين رجلا، فعدت إلى موضعى وبكيت، وتوسلت إلى الله عز وجل. ثم إن الوزيرى طلع بخزائنى وخيولى وحريمى إلى قلعة الصلت، وأقام مماليكى بنابلس. وحضر ابن النابلسى من مصر من عند العادل، يطلبنى من الناصر، وأبدل له فىّ مائة ألف دينار، فما أجاب لذلك. وكذلك كاتبه الصالح إسماعيل وأسد الدين صاحب حمص، وأبذلوا له أموالا عظيمة، فلم يجبهما إلى ذلك.
فلما طال مقامى عنده، استشار عماد الدين بن موسك، وابن قليج والظهير، وسخره الله عز وجل لما كان لى كامن فى الغيب من السعادة، فاتفقوا على إخراجى، فأخرجنى